فضل بسم الله الرحمان الرحيم
أعلم أيّها القارئ، أنّ أوّل ما خلق الحقّ تبارك وتعالى اللوح والقلم، أمر الله القلم فجرى على اللوح بما هو كائن إلى يوم القيامة، فأوّل ما كُتِبَ على اللوح " بسم الله الرحمان الرحيم "، فجعل الله هذه الآية أمانا لخلقه ما داموا على قراءتها، وهي قراءة أهل سبع سماوات، و أهل الصفح الأعلى، و أهل سرادقات المجد و الكروبيين، و الصّافين و المسبّحين، فأوّل ما أنزلت على آدم عليه السلام، فقال: قد أمن ذرّيتي من العذاب ما داموا على قراءتها و قولها..ثمّ رفعت بعده فأنزلت على إبراهيم الخليل عليه السلام، في سورة الحمد فتلاها وهو في المنجنيق، فجعل الله النارَ عليه بردا و سلاما.. ثمّ رفعت بعده فأنزلت على موسى عليه السلام في الصحف، فيها قهر فرعون و سحرته، و هامان و جنوده، و قارون و أتباعه، ثمّ رفعت بعده فأنزلت على سليمان ابن داود عليهما السلام، فعندها قالت الملائكة: اليوم و الله تمّ ملكك يا ابن داود، فلم يقرأها سليمان على شيء إلاّ خضع له بإذن الله تبارك و تعالى، و أمره سبحانه يوم أنزلها عليه أن ينادي في أسباط بني إسرائيل: من أحبّ منكم أن يسمع آية أمان الله فليحضر إلى سليمان في محراب داود عليه السلام، فإنّه يريد أن يقوم خطيبا، و اجتمعت الأحبار و العبّاد و الزهّاد و الأسباط كلّها عنده، فقام فرقي منبر الخليل إبراهيم و تلا عليهم آية الأمان: " بسم الله الرحمان الرحيم ". فلم يسمعها أحد إلاّ امتلأ فرحا و قالوا: نشهد أنّك لرسول الله حقّا، فبها قهر سليمان ملوك الأرض، و بها افتتح الله لنبيّه محمد صلى الله عليه و سلم مكّة، ثمّ رفعت بعد سليمان فأنزلت على عيسى بن مريم عليه السلام، ففرح بها و استبشر بها الحواريون، فأوحى الحقّ تعالى إليه: " يا ابن العذراء البتول أتدري أيّ آية أنزلت عليك ؟ إنّها آية الأمان " بسم الله الرحمان الرحيم " فأكثر تلاوتها في قيامك و قعودك و مضجعك و مجيئك و ذهابك و صعودك و هبوطك، فإنّه من وافى بها يوم القيامة و في صحيفته " بسم الله الرحمان الرحيم " ثمانمائة (800) مرّة و كان مؤمنا بي و بربوبيتي أعتقته من النار، و أدخلته الجنّة، فلتكن افتتاح قراءتك و صلاتك، فإنّ من جعلها في افتتاح قراءته و صلاته إذا مات على ذلك لم يرعه ناكر و نكير.. و هُوِّن عليه سكرات الموت، و ضغطة القبر.. و كانت رحمتي عليه.. و أفسح له في قبره.. و أنوّر له في قبره.. و أنوّر له فيه مدّ بصره، و أخرجه من قبره ( يوم القيامة ) أبيض الجسم و أنور الوجه، يتلألأ نوره.. و أحاسبه حسابا يسيرا.. و أثقّل موازينه " فأمّا من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية ".. و أعطيه النّور التّام على الصراط حتّى يدخل الجنّة، و آمر المنادي أن ينادي به في عرصات القيامة بالسعادة و المغفرة..
قال عيسى عليه السلام: اللهمّ يا ربّ فهذا لي خاصّة ؟ فقال سبحانه و تعالى: " لك خاصّة و لمن تبعك و أخذ أخذك و قال بقولك، و هو لأحمد و أمّته من بعدك ".
و أخبر عيسى عليه السلام بذلك أتباعه، فقال تعالى: " و مبشّرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ". سورة الصّف الآية 6 .
و قد قال صلى الله عليه و سلم: " لا يردّ دعاء أوله بسم الله الرحمان الرحيم، و قال: و إنّ أمّتي يأتون يوم القيامة و هم يقولون: " بسم الله الرحمان الرحيم " فتثقل حسناتهم في الميزان، فتقول الأمم: ما أرجح موازين أمّة محمّد، فيقول الأنبياء لهم: لأنّ أمّة محمّد صلى الله عليه و سلم مبتدأ كلامهم ثلاثة أسماء من أسماء الحقّ تبارك و تعالى، لو وضعت في كفّة الميزان و وضعت سيّئات الخلق جميعا في الكفّة الأخرى لرجحت حسناتهم ". و قال: و جعل الله هذه الآية شفاء من كلّ داء، و عونا لكلّ دواء، و غنى من كلّ فقر، و سترا من النار، و أمانا من الخسف و المسخ و القذف ما داموا على قراءتها..
اللهمّ ارزقنا دوام قراءتها و قولها.. اللهم أملأ بها صدورنا و أفض بها قلوبنا.. اشف بها مرضانا، و عاف بها مبتلانا.. اللهم هوّن بها علينا سكرات الموت و ضغطة القبر، و أفسح بها قبورنا و نوّر بها وجوهنا يا أرحم الراحمين يا ربّ العالمين..
و صلّى الله على سيّدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين.